مهداة إلى خالي الذي قضى ثلاثة عشر عاما في (سجن تدمر) وخرج منه نهاية عام 1992. وإلى الذين كانوا معه، وإلى الذين لم يعودوا من هناك أبداً.
…
ما بيني وبينكَ
أعني.. ما بين اسمينا
لامٌ قُصّت من أعلاها:
صارتْ نقطة!
لمّا أمّي حملتْ بي،
كانتْ تدعو:
بنتاً،
تختم عِقد الصبيان لديها..
قالتْ لي:
لو كنتِ صبيًّا
كنتُ أسمّيكِ (جمالْ).
وعرفتُ لماذا
لمّا لقيتُكَ أوّل مرّة:
الروحُ المتطاولةُ الوثّابة
ذاتُ الشعلةِ توقدُ روحكَ
توقدُ روحي.
هل كانتْ يومًا قبَساً من أمّي؟
شيءٌ من روحٍ
أخشى ما تخشاهُ: الخوفْ!
الخوف من الجُبنِ أمام النفس،
أن تتراجع أو تتنازل عن حقٍّ تدري
أنّه مكتوبٌ عند (الحقّ).
وحضرتُ زفافكَ وأنا الطفلة،
وحملتُ صغاركَ لما صرتُ صبيّة..
وبقيتُ الطفلةَ في عينيك.
حتّى غبتُ طويلا عن حلبٍ،
ثمّ لقيتُك
وبلا تفكيرٍ قبّلتُ يديكْ
تسحبها منّي عجِلا،
هذي الطفلةُ تحمل من اسمكَ اسماً
جاءتْ أُمّاً
بعدَ غيابٍ ما أطولَهُ:
عشرُ سنين..
تصحبُ بِنتَيْن وزوجاً
تنظر لي، تنظر لهما
تضحك بهِجا،ً مندهِشاً
ماذا كانتْ، ماذا صارتْ!
تحضنني، تلثمني
تخبرني: ازددتِ نحافة!
فأردّ بضحكٍ:
لم أنحف يا خالي
لكنّي كبرتُ
في شعري شيبٌ يتسلّل مهِلا
أحمل في عُنقي روحَيْن
وبقلبي كَومَ همومٍ
تُغرق شعبًا.
نجلس نتحادثُ وتطول الساعات،
وتقصّ علينا كالعادة
شيئاً من ثقبٍ أسودَ يُدعى (تدمر)!
أرشيفكَ لا يخلو أبداً
تقفز من جعبتكَ حكايا
أسماءٌ أعرفها
أخرى أكثرُ لا أعرفها
أرواحٌ..
تسبح في جَوّ الغرفة!
وأنا أسمع، أنصتْ
في آخر مرّة،
سجّلتُ حكاياتكَ خِفية
لكنّي لم أجرؤ أن أسمعها بعد!
وظننتُ بأنّي قادرةٌ أن أكتبها يوماً
أسأل نفسي:
عشرون من الأعوام
من بعد الأربع*..
مذ كنتَ هناك
ما زلتَ تقصّ عليّ جديداً
يسألني عقلي:
كيف نجا؟
فتردّ الروح الوثّابة:
في داخلهِ روح مقاتِل..
أخشى ما تخشاهُ: الخوفْ.
في البحر الواسعِ تلطمنا الأمواج
نضحك، نلعب..
ونفكّ قيودَ الهمّ قليلا
ثم يكونُ أوانُ العودة،
وتودّعُنا
وأقبّل كفّيكَ دموعاً مخنوقة
وبعينيكَ بكاءٌ مكتوم،
ما ينجينا من حزنٍ يعصرنا
إلا روحُ مقاتل
لا تقبل أن تتراجع أو تتنازل.
لم تخطئ أنتَ ولم تذنب،
كانتْ هذي الأقدار
لو سلّمنا، لارتحنا.
أمّا أن نستسلمَ..
أو ننسى ذنب المجرمْ
أن نعفُوَ عن ذنبِ القاتلْ
هذا لا يمكن
قد أنجتْكَ الدعواتُ من الثقب الأسود
قد جاءتْ بكْ
قد منحتْك حياةً
صِفها نعمة، صِفها نقمة
لكنكَ تملكها.
مهما ظننتَ بأنّك تقدرُ
أن تجلس في هدْأةِ شُرفة
تشربَ قهوة
وترى الكون يسيرْ
ألا تتدخّلْ..
لستَ كذلك!
أعرفكَ أنا
واسمي من اسمك
وبروحي أشياءُ كثيرة
من روحكْ
روحُ مُقاتِل.
الله يجمع الشمل في وطننا سوريا الحبيبة.

وأذكر .. وأنت ما زلتِ جنينا في رحمي
لا أعلم إن كان ذكرا أو أنثى
فكرتُ سأسميه جمال ، أو أسميها جمان
قد يختلفان في حرف واحد
لكن باقي الحروف ستذكّرني به دوما
حتى لو حاولتُ أن أنساه
وامتنّ الله عليّ ثانية .. بل وأكثر
وجئتني أنثى كما تمنيتُ
وسمّيتُكِ كما أردتُ
وقلبي يلهج : يا رب ..
لا تحرمني وهي رؤية المقاتِل.