برمتْ شفتها وامتلأتْ عيناها بالدموع بينما نحن نضحك على إحدى حلقات (ماشا والدبّ)! هذه ابنتي (سمية)، وكانت في الرابعة من عمرها عندما أدركتُ أنّنا سنعاني مشكلة مع هذا الأمر.
نحن نكره الأنانيّة، ونحاول قدر المستطاع أن ننتبه للطفل الذي تظهر لديه هذه النوازع، ولكن هل هذا لأنّنا نخشى عليه؟ لا أظنّ. في الواقع، فإنّ العالم يخدم الشخص الأنانيّ حتى آخر يوم في حياته. ولا يمنع أن يكون الشخص أنانيّاً وحسّاسا في نفس الوقت، فإحساسه العالي بالآخرين يكشف في كثير من الأحايين عن تفكيره في نفسه فقط، لأنّه يأخذ المعلومات منهم، ويعالجها في ذهنه ويتساءل عن نفسه: هل يحدث معي مثل هذا؟
لكنّ الأمر يمكن معالجته عند الطفل، المشكلة هي الاتجاه المعاكس: الإحساس الزائد بالآخرين، إلى حدّ الشعور بالتعب النفسي من كثرة التفكير فيهم.
عندي في البيت شخصيتان، واحدة كانت متمركزة على نفسها في صغرها ثمّ بدأتْ تفهم وتتغيّر وتعبّر عن اهتمامها بمن تحبّ. والثانية تعيش بتواصلها مع الكائنات حولها ولا تستطيع أن تتخيّل أن يحدث لهم مكروه.
هكذا يمكن فهم لماذا أصابتنا الدهشة أنا وصفية، قبل سنوات، حين سألتْ سمية دامعة العينين عن (ماشا): وين أمها؟ وين أهلها؟ شلون تركوها في البيت لحالها؟ ما خافوا عليها من الدبّ ياكلها؟ ثمّ انفلتت تنتحب.
عبثا حاولتُ أن أشرح لها أنّ هذا مجرّد وهم، ومن ذلك اليوم وسمية لا تحبّ مشاهدة (ماشا)، وصرتُ أتفحّص أيّ شيء يمكن أن تشاهده، ولاحقا عندما كبرتْ قليلا وصرتُ أقرأ لها، صرتُ أنتبه أيضاً لما نقرأ: لا أحد بدون عائلة أو شخص يهتم به، خاصة لو كان طفلا. هكذا كانتْ كتب (كوالا الصغيرة) سعادة بالنسبة لها: فهناك عائلة كاملة، حتى جدّ وجدّة. هذا هو الوضع الطبيعيّ والمُرضي لها.
قبل أسبوع، كنتُ جالسة مع زوجي فسمعتُ صوت نحيبها من الطابق العلويّ، قفزتُ فزعة إلى الدرجات وفتحتُ باب غرفتها الذي كان مغلقاً، وأضأتُ النور الذي كان مطفأً، لأجدها تنتحب بصوتٍ عالٍ تحاول كتمه تحت اللحاف. بمجرّد أن اقتربتُ من السرير وجلستُ على طرفه أسألها بصوت حاولتُ جعله هادئاً: سوسو اشبك؟ قفزتْ من تحت لحافها إلى حضني فعانقتها بقوّة وتشبّثتْ بي تبكي طويلا على صدري وأنا أمسح رأسها وأردّد: باسم الله عليكِ..
كانتْ في ذلك المساء قد رفضتْ أن تأكل وكان هذا غريباً لأنها لم تأكل شيئا من وقت الإفطار، وفسّرتُ رفضها بأنها تناولتْ الحلويّات، لكنّي شعرتُ أنّ شيئا ليس على ما يرام، قلتُ لها أن تذهب للاستحمام فذهبتْ سريعا دون نقاش، وكنتُ في نفسي أقول إنها ستجوع حتماً بعده. لكنّها خرجتْ وذهبتْ لغرفتها ولبستْ واختبأتْ تبكي حتى سمعتُ صوتها.
ورحتُ أسألها بهدوء سؤالا تلو آخر، محاولة أن أحصل على إجابات قصيرة: صرلك شي في الدوش؟ هزّت رأسها أن (لا). وقع عليكِ شي أو انطرقتِ؟ أيضا (لا). فسكتُّ، وإذا بها تقول أخيراً إنها شاهدتْ مع أختها فلما على يوتيوب فيه شيء حزين جدا، وهي لا تستطيع التوقّف عن التفكير فيه. (قالتْ هذا كله بالحرف بالألمانية). قلتُ لها: حزين، أم مخيف؟. أصرّت: حزين.. وأنا لا أفهم لم شعرتُ أنه حزين جدا. قلت: هذا عاديّ، بعض الأشياء تشعرنا بالحزن أكثر من غيرنا، لا مشكلة. وحين هدأتْ أكثر قالتْ: كان هنالك صبيّ قد تعرّض لخياطة في وجهه.
– يعني صار له حادث؟
* لا، هو غيّر وجهه.
طبعا لم أفهم، فسألتُها سؤالا أخيرا: كان فلم كرتون ولا تمثيل؟
* كرتون.
– طيب..
وهنا كانتْ قد هدأتْ تماما، وأعلنتْ أنها سـتأكل الآن. ومضى المساء.
في اليوم التالي، أعيد فتح النقاش لأنّ سمية بكتْ قليلا مؤكّدة على حزنها، وكان زوجي يحاول أن يتكلّم معها لكنّها كانت ترفض باستمرار أن تكلم غيري. فنادينا صفية وطلبنا منها أن نرى الفيديو على جهازي، بينما تنشغل مع أختها حتى ننتهي من استعراضه. وجلسنا بكلّ صبر نتابع عشرين دقيقة من الرسوم المتقنة جدّاً والدراما الرهيبة التي تحكي قصة طفل كان سعيدا جدا مع والديه الثريّين، ثم تعرّضا لحادث وماتا، ونشأ يتيما وحين صار مراهقا كان عابثا وفعل كل ما يمكن فعله بنقود والديه، حتى تعرض لحادث دراجة نارية ولم يكن يرتدي خوذة واقية لأنّه (كوول)، وكانت نتيجة الحادث كسر في الجمجمة وخياطة طويلة على جانب الوجه، هذا التشوّه جعله شخصا شريرا يتعمد إيذاء الآخرين، ثم إنه وقع فجأة وعاد إلى المشفى ليكتشفوا ورما في دماغه لا يمكن علاجه وأنه سيموت، وهذا جعله يفكر في كل حياته التي ضاعت سدى ولم يقدم فيها سوى الشر لغيره، فقرر أن يختمها بالتبرع بأعضائه الصالحة عند وفاته. انتهى.
بالطبع لم يكن النص مؤثرا أبدا، ولا توجد موسيقى تصويرية، هو أقرب لإعلانات الحكومات التي توجهها للشباب ليقلعوا عن التدخين مثلا، ولكن بطريقة عصرية، ومناسبة للمراهقين كما هو واضح من ردة فعل صفية التي وجدت أن بكاء أختها تصرف (غبيّ وغير مفهوم).
بعد انتهاء الفيديو تنهد زوجي وقال: أنا من أول خمس دقايق طق عقلي، فضحكت وقلت له: طبيعي لأن الفيديو ليس لمستوانا، لكن بالنسبة لصفية فالمضمون مناسب جدا ولا مشكلة فيه. أما سمية فليست مشكلتها الحادث أو منظر الخياطة لأنها رسوم بسيطة ليس فيها ما يحزن، من معرفتي بها، أظنها ارتاعت من بداية الفلم، عندما قال إنّه فقد أبويه في حادث وعاش وحيدا.
وبالفعل، عرفت منها لاحقا أنها من تلك اللحظة طلبت من صفية أن تغير الفلم لكن الأخيرة (شخطت) فيها، وأصرت أن تشاهده للنهاية. هنا كان عليّ أن أتصرّف مع كلّ واحدة على حِدة:
ذهبتُ لسمية أوّلا، وقلتُ لها: أنا شفت الفيديو مع بابا، وما شفنا فيه شي مزعج، لكن هي مشاعرك وأكيد عندك سبب تحسّيه حزين، هي مو مشكلة. المشكلة إنه إذا انتِ ما حبّيتيه ليش ما طلعتِ من غرفة أختك؟ هذا كمبيوترها وهي غرفتها، وهي ما بدها تتفرّج على كيفك. أنا نبّهت عليها من قبل إنه ما بصير تشغل أي شي مرعب وهي ملتزمة، لكن هذا الفيديو ما فيه شي، وهي معها حقّ. ما في داعي أبدا إنك تبقي طالما إنتِ ما عجبك. وكانت في لهجتي حدّة، ذلك أنّي أعرف أنّها ليستْ بريئة تماما، في النهاية هي تريد أن تبقى بدافع الفضول، وقد اعتادتْ للأسف أن تجد دائما وسيلة لجعل الخطأ كله على عاتق صفية.
ثمّ اتجهتُ لصفية، وبمجرد أن دخلتُ غرفتها وأغلقت الباب خلفي هتفتْ بسخط: لا أريد الكلام عن هذا الفيديو الغبيّ مرّة أخرى!
قلت بحزم: أنتِ لن تتكلّمي، أنا سأتكلّم وأنت ستسمعين. ثمّ هدّأتُ صوتي: انت بتتذكري لما سمية كانت صغيرة وكنا عم نتفرج على ماشا وصارت تبكي؟
هزّت رأسها بالنفي وهي تحدّق مندهشة، فتابعت: صارت تبكي لأنها فكّرت شلون ماشا ما عندها أم ولا أب ولا أخت. هي اختك عندها كل شي لازم يكون عنده أم وأب وإخوة أو أصدقاء مثل الإخوة، مثل ألعابها وقت بتلعبي معها.. وأنا فهّمتها إنه ما بصير تتفرج معك على شي غير اللي أنا سامحتلكم تتفرجوا عليه. وانتِ اذا شفتيها انزعجت أو اختلفتوا بالرأي وما رضيتْ تطلع من غرفتك، بتجي فورا بتقوليلي.
هكذا انحلّ الموضوع، ونسيتُ الأمر بأكمله حتى اليوم: كنتُ قد تركتُ سمية تأكل قبل النوم، ونزلتُ لمكتبي في القبو، وبعد ثلث ساعة تقريبا فوجئتُ بها تأتي راكضة وهي تبكي، وقفزتُ إلى حضني وعانقتني بشدّة. طبعاً أصابني الرعب لحظة وأنا أتفحّصها وأحاول تذكّر الثواني التي سبقتْ هذه القفزة: هل سمعتُ صوت ارتطام؟ لا، هل كانت تمسك راسها أو شيئا يؤلمها؟ لا، هل كانت تنزف؟ لا، إذاً لا خطر هناك. وهكذا هدأتُ ورحت أمسح على شعرها وهي تبكي على صدري ومثل المرّة السابقة أردّد: باسم الله عليكِ..
فوجئتُ بصفية تدخل، فرفعتُ رأسي بابتسامة: بدك شي حبيبي؟
* أنا جيت مشان سمية..
وأدركتُ من عينيها ووجهها أنها كانت موشكة على البكاء، ويبدو أن سمية كانت قد بدأت البكاء بالتدريج أثناء حوار مع أختها، قبل أن تفزع إليّ.
أشرتُ لصفية أن تقترب فقبّلتُها وقلتُ لها لا بأس، وقالتْ تصبحين على خير، وذهبتْ.
هكذا راحتْ سمية تردّد وهي تشهق إنها لا تدري لماذا تتذكر الآن ذلك الفيديو وتبكي مرة أخرى. قلتُ لها بهدوء: وأنا أيضا لا أعرف لماذا تتذكرينه، لكن هنالك أشياء تلتصق في عقولنا ولا تذهب بسهولة، وهذا ما قلتُه لكِ ولصفية من قبل، لذلك أحاول مراقبة كلّ شيء تشاهدانه.
قالتْ: أنا حقا لا أفهم لماذا أبكي، هذا يبدو غريبا.
قلتُ: أنا أيضا أذكر بعض الأشياء وأبكي فجأة، لكنّي أعرف السبب، هي أشياء حزينة ولا يمكن تجاوزها.
* مثل ماذا؟
– مثل أنّ نانا الكبيرة ماتتْ ولن أراها مرّة أخرى، وأنّ أبي مات. أليس هذا حزينا؟
هزّت رأسها موافقة.
– وأنتِ تكبرين الآن، ومن الطبيعيّ أن تجدي بعض الأشياء سخيفة جدا، وأشياء أخرى تصيبك بالحزن لوقت طويل رغم أن لا علاقة لها بك.
* كيف؟
– يعني جسمك الآن صار فيه هرمونات، وهذه الهرمونات تغيّر المشاعر بالتدريج وأحيانا يكون عملها غير مفهوم. الطفل الصغير ذو الأعوام الثلاثة، يمكن أن يبكي لساعات لو أخذ أحدهم لعبته. هل ستبكين أنتِ أيضا هكذا؟
ضحكتْ وقالتْ: لا، لكن.. لو أخذ أحد (ماوسي/دميتها الفأرة) بالتأكيد سأحزن قليلا. صحيح أنا لم أعد متعلقة بها مثل قبل، لكن لا أريد أن أفقدها.
– لكن تخيّلي لو أخذها أحدهم ورماها أمامك في مكان لا يمكن الوصول إليها فيه، سيكون حزنك كبيرا صح؟
* صح..
– وهذا الطبيعيّ لعمرك، بالنسبة لي ولعمري فأحزاني تختلف، بالطبع هناك أشياء لو أخذها أحد مني ممكن جدا (أعفسه)، /فضحكتْ كثيرا/ لكنّي غالبا لن أحزن. والآن، هل تريدين أن تنامي عند صفية؟ بدل أن تنامي وحدك؟
أومأتْ أن نعم، وهنا كان زوجي قد دخل الغرفة، ومسح على رأسها وسأل: خلص؟ مشي الحال؟ فتأكّدتُ أنّ الجميع يعرف ما الحكاية لكنّها مع ذلك أصرّتْ أن تكون المشاركة تتضمّنني!
أخيراً ذهبتْ مع أبيها لتسحب فراشها لغرفة أختها، وقد طلبتُ منه ذلك لأنّه أقدر على الحوار الهادئ مع صفية في حال رفضتْ أن تنام أختها عندها، ولا أظنّها ترفض.
حدث هذا كله الأسبوع الماضي، لكني فوجئت أمس وأنا أكرّر ندائي على سمية أن تنزل للأكل أنها لا تردّ. هنا صعدتُ أخيرا إلى غرفتها وأنا مستعدّة هذه المرّة لارتكاب محظور لو كانت تسمعني ومطنشة، أو تردّ من خلف الباب المغلق وتدّعي أنها ردّت وأجابت. وجدتُ نفس السيناريو: هي في السرير، تحت اللحاف تبكي. هنا فقط شعرتُ أنّ الموضوع زاد عن حدّه و/قلَب مسخرة/، فجلستُ على طرف السرير وكلّمتها بلهجة لم أحاول إخفاء سخطي فيها: إش في؟
– شفت فيديو..
قاطعتُها: نفس الفيديو؟؟
– لا! واحد تاني.. صفية ورجتني إياه وأنا..
هنا طفح بي الكيل، الآن هي تتسلّى وتستجلب الاهتمام، هنالك شعرة فارقة بين الألم الحقيقيّ والدراما، وسميّة (ملكة الدراما) كما يعرف الجميع مذ لقّبتها بذلك معلّمتها في الروضة. قلتُ كلاما كثيراً مثل:
لا تحطّي الحقّ على أختك! أنا كنت واضحة لما قلتلك لا تتفرّجي معها على شي ما بتعرفيه، أو بيزعجك.. تقولي انه هي ورجتك إياه، ليش؟ ربطتك عالكرسي في غرفتها مثلا؟!!
كانتْ صفية قد جاءت ووقفتْ في الغرفة تسمعى هذا كله، وعلى وجهها مشاعر متضاربة، حاولتْ أن تدافع عن نفسها فأسكتُّها أيضا وأنا أقول إنها ليست بحاجة الدفاع عن نفسها لأن التوبيخ لسمية وليس لها، خرجتْ إلى الحمّام وأغلقتْ الباب خلفها.
وقبل أن أترك الغرفة قلتُ لسمية: قومي كلي بتتحسّن نفسيتك. هتفتْ: مالي جوعانة.
فقلتُ لها بنفس طريقتها: إي عمرك لا تاكلي!
هذه هي الديمواقراطية التي تليق بهذا الموقف وهذه النفسيّة.
نزلتُ فنظر لي زوجي مبتسماً، قلتُ له: روح انت احكي معهم، أجا دورك. أنا حاليا ممكن أرتكب جريمة.
ذهب وهو يضحك، وغاب في غرفة سمية، وساد الهدوء. ثمّ جاءتْ صفية تقول شيئا لا أذكره بمعنى: ليش بهدلتينا؟
أكّدتُ بهدوء: البهدلة كانت لأختك لأنها عبتحط الحق عليكِ، إنتِ ليش مزعوجة وبكيانة؟
ردّتْ بأنّ الفيديو بالفعل حزين، هنالك من فقد أباه. تنهّدتُ في صبر، وسألتُها وأنا أوشك أن أنفلق نصفين: يعني إنتِ كمان شايفة إنه الفيديو حزين؟
– إي..
* طيب ليش تفرجتوا عليه؟
سكتتْ طبعاً، لأنّ سؤالي لا يحتمل إجابات. قلت: عموماً، روحي إحكي مع أختك بس يطلع بابا من عندها، بلكي بتقتنع منك تنزل تاكل.
قالتْ: – بس هي ما بدها تاكل.
قلتُ وأنا أشدّ بالي بحذر وأمطّه كي لا ينقطع:
بعرف، بس الأخت بتسمع من أختها أكتر مما بتسمع من أمها وأبوها.
– إي بعرف، بس هي زعلانة ورح تبقى زعلانة لأنه الفيديو بزعل..
لقد كانت صفية متأثرة أيضا بالمضمون، أكّدتُ:
ماشي.. بس حاولي.
ثمّ تمدّدتُ على الكنبة معلنة أن: حلّوا مشكلة الحزن مع بعضكم بلا ما أعملكم مشكلة أكبر!
وعاد جوّ الضحك للبيت، بعد نقاش مع أبيهما، وكنتُ أسمع باب غرفة ينفتح والآخر ينغلق، وأسمعهما تضحكان معاً. ونسيتُ الموضوع خصوصا أننا في المساء جلسنا سوية نتابع مسلسل أطفال مضحك أحبّ مشاهدته معهما.
لكنّي قبل أن أنام، تذكّرتُ أن أفتح حساب اليوتيوب لأرى هذا الفيديو العجيب، ورحتُ أفتّش في العناوين، فوجدتُ اثنين يحملان عنوان لعبة إلكترونية عن مخلوقات فضائية (أشكالها كالمربعات ورسومها بسيطة مثل الكرتون القديم ومضحكة بالنسبة لي) موجودة على التابلت منذ فترة. وبدأتُ أربط الأمور:
إما أن اللعبة صادرة عن هذا المسلسل، أو العكس، المهم أنّ البنات طلبن تحميل اللعبة وسمحتُ لهنّ، وكنتُ كالعادة أفتح وأفتّش أو أجلس معهنّ بضع دقائق لأعرف طريقة تشغيل اللعبة وما إلى ذلك، وحفاظا على الخصوصية حين عرفتُ أنها تتضمن (المحادثة المكتوبة فقط) مع اللاعبين الآخرين. اللعبة والفيديو كلها صامتة، المخلوقات لا تتكلم وليس لها صوت، كلّ السيناريو يتم فهمه إما من الكتابة أو الرسوم. وكان هنالك مشهد يموت فيه الأب. يبدو أنّه مشهد مهيب جدّاً، لدرجة أني ضحكت حين رأيته، كان الأب عبارة عن صندوق أحمر كبير، والابن صندوق أحمر صغير. لم أتمتّع بالصبر الكافي لمشاهدة التفاصيل لأنّي قلتُ من المستحيل أن يكون هذا الفيديو المقصود، لا بدّ أن صفيّة مسحتْ الفيديو من تاريخ المشاهدات.
وسألتُها اليوم صباحا بهدوء، فوجئتُ أنها تعني ذلك الصندوق الأحمر إياه! وحين ضحكتُ نظرت لي وقالتْ بجدية بالغة: لا شيء مضحك في الموضوع، الأمر حزين جدّاً.
ابتلعتُ ضحكتي وقلتُ بصوت جادّ: آسفة. طيب ممكن تشرحيلي إنتِ ليش متأثرة كتير بالمشهد؟
سكتتْ ونظرتْ لي وكأنها تقول شيئا مفروغاً منه: لأنّه أبوه مات!!
سألتُها لأتأكّد: نحن نتكلّم عن فيديو Among us، صح؟
– إي..
تنهّدتُ: طيّب. وطبعاً أعدنا المحادثة باختصار وهدوء كبير عن نوعية المشاهدات و…
أخيراً، أتمنّى أنّنا فرغنا من التعامل مع المشاهد الحزينة، وحمدتُ الله أنّه لم يكن مشهداً مرعباً، أو قذراً. فهذه الأشياء، أعلم يقيناً أنه لا يمكن محوها من الذاكرة إلا بجراحة نفسيّة.
22.1.2021
يعني لو طبقنا مبدأ بناتك الله يسلمهم كان لازم أبكي طول اليوم وأغني (كتاب حياتي يا عين)
حفظهما الله وأعانكم على الحمل الثقيل.